تعليق هادئ عابر عن سرقة التاريخ
بين سرقة الإمارات وتاريخ عمان
محاولة للتحليل بهدوء ..
مرحبا بكم يا أصدقاء. لقد مررنا ــ بلا شك ــ بحالةٍ هجليّة عشناها في عُمان ألا وهي حالة التدافع والتناوش الإعلاميّ بين عُمان والإمارات. بالطبع لم يقتصر الأمر على إعلام الدولتين، تسرقُ الإمارات علما من أعلام عُمان أو فنّا من فنونها لنجد في الإعلام العُماني وثائقيا عن العَلَم نفسه أو الفن نفسه، امتدّ الأمر حتى إلى بروز فكرة رائعة إلى الوجود، ألا وهي فكرة إنشاء قناة عمانية خاصة بالموروث الشعبي، حسنا هذه خطوة أولى ممتازة للغاية وثمّة فائدة وراء هذا التدافع الإعلامي قد تخرج بسبب الخروج من المجاملات الرتيبة المعتادة التي اعتادت عليها دولة مجلس التعاون. على سيرة دول مجلس التعاون يبدو أننا مقبلون على أيام مختلفة في التاريخ الخليجي، فكما يبدو فإنّ الوضع الخليجي سيكون الحديث [الهجليّ] القادم، وهذا يحزنني قليلا لأنّه سيوقف النفث الذي يمارسه المهذون المصدور الذي يكنّ كل أنواع الكراهية العمياء للإمارات.
حسنا من أين يبدأ المرء؟ هممم .. في شأن سرقة التاريخ، ثمّة حقيقة متعارف عليها نسبيا وهو أنّ التاريخ وقلمَه السحري بيد الأقوى دائما. يقولون أن التاريخ يكتبه المنتصر ولكن حاليا لسنا في حالة حرب لنقول أن دولةً ما انتصرت. وإنّ دولة رخويّة مثل الإمارات تحتاجُ فعلا إلى عمود فقريّ ثقافيّ تاريخي. قد يأتي البعض ويردد [ماذا يفيدكم التاريخ؟] وأقول له أن التاريخ أو حتى مجرد الشعور به هو ذلك اللاحم بين الشعب والأرض، إن أرضا بلا تاريخ لو سقت أهلَها الفقر والمرض والجوع فسوف يهاجرون منها أجمعين، هُناك من يهاجر ــ رغم الفقر والمرض والجوع ــ إلى البعيد ولكن جزئية التاريخ والحنين إلى الوطن الكبير [الكبير بمفهوم تجاوزه فكرة الدولة والنظام إلى الوطن] كما كنت أقول هذا الحنين إلى الوطن الكبير هو ما يرجع الإنسان المنتمي إلى الوطن فعلا إلى وطنه حتى لو قضى جلّ عمره خارجَه.
الإمارات ليست معضلة كبيرة أبدا. مجرّد دولة ناشئة طارئة على التاريخ، وفي شأن سرقة التاريخ العماني فهم يفعلون ذلك منذ عقود، فلماذا في الفترة الأخيرة حدث الخلاف؟ بالطبع ما كان مثل هذا الخلاف ليحدث لولا أن مارست الإمارات تصعيدا ملحوظاً في إعلامِها، الخنجر، والعازي، والمهلب، بل وحتى مقالات كتّابها القلّة في الصحف ناهيك عن العدد الهائل من الكتاب والصحفيين المرتزقة الذين يُدفعُ لهم منذ عقود لتمرير أجندة النظام الإماراتي، كما كنت أقول الإمارات ليست معضلة كبيرة، إنّها جزء من أرض عُمان [سيعود ذات يوم] وتمتلك الخصائص الاجتماعية نفسها إلى حد كبير. الأمر أشبه بذلك السؤال الذي وجهه لي صديق ما: الشيخ زايد بن سلطان فهمنا .. الشيخ سلطان ماذا كان وضعه؟ ومن كان يتبع؟ وكان تحت أمرة من؟ بالأحرى كان تحت سلطان من؟ أترك لكم هذه الإجابة لتبحثوا قليلا في التاريخ القريب.
ثمّة شيء مثير للاستغراب في الوضع بيننا وبين الإمارات. كلانا نعيش الوضع السياسي نفسه تقريبا فبعد أن كانت الدولتان مقفرتين تقريبا قبل [الأب المؤسس] عاشت الدولتان رخاءً غير مسبوق بالنسبة لتاريخ كل دولة في عصري [السلطان قابوس] في الشق العماني من عمان الكبرى، وفي عصر [الشيخ زايد] في إمارات ساحل عمان المتصالح. وبالطبع عاش الإماراتيون قبلنا كعمانيين صدمة [فقدان الأب المؤسس] وهي صدمة يتمنى العُمانيون من ربّه ألا يعيشوها في القريب العاجل.
ليس من المستغرب أن تحاول كائنات أبي ظبي الرخوية صناعة تاريخ جديد خاص بهم. أعني لقد وصلت السفاهة حتى بالإسلاميين هناك في تمرير أجندة [الإمارات غير العمانية] بل ووصل بهم الأمر إلى تخصيص عُمان بشريطها الساحلي الذي كان يسمى أصلا [ساحل عمان] .. يعني تو عمان صارت من حدود الإمارات حاليا إلى قطر؟؟؟ يا لطيف الطف .. أحاول الآن ألّا أنفعل لكي لا أكتب شيئا وأنا أعمى من الغضب لذلك سأتجاهل الحديث عن هذه الجزئية بعض الوقت. ليس من الغريب أن يحاول الإمارتيون صناعة تاريخ حتى لو بالسرقة، فما الذي يدفع شعب ما إلى التمسك بوطنِه؟ أوليس ذلك الشعور بالمسؤولية التاريخية؟ مسؤولية تجاه الأرض وما نُقش على الحجر عبر التاريخ؟ وإلا ما الذي يجعل الوطن وطنا؟
أعتقد أن ما حدث مفيد من عدة جوانب. مفيد أولا لكسر عقدة الإمارات التي تسكن عددا لا بأس به من الشباب العُماني، تلك العقدة التي جعلتهم يلوون ألسنتهم ويلبسون ملابسَ الإماراتيين [الملابس العُمانية القديمة أصلا]. العقدة التي جعلت فتيات عُمان ينهين كلامهن بالجيم [شلونج .. شخبارج] العقدة التي جعلت العباءة التي تنزل في الإمارات موضة قائمة متأخرة في عُمان وبسببها يركض أحد المساكين إلى الإمارات ليشترى عباءة بتسعين ريال عُماني، ما حدث مفيد للغاية في عدّة جوانب لأنه يدفع المرء إلى النظر داخلِه ولن يعرف المرء خطأه بالنظر للمرآة، ها نحن الآن أمام وضع احتدامي [على مستوى لغوي فقط] بين دولتين، ولعل القادم الخليجي قد يزيد الطين بلّة ولكن هذا الموضوع لا يغريني أبدا بالحديث عنه لقلّة [الهجليّة] فيه.
تحدثت في قناتي على اليوتيوب عن فكرة البدء بنشر كتيّبات للجيب تتضمن قراءة مختصرة للتاريخ العُماني، وربما من الممكن أن تحمل هذه الكتيّبات شكلا أدبياً، حتى الآن الفكرة غير متضحة ولكن هناك اجتماع مع مجموعة من الأصدقاء للبحث في الفكرة والنظر في إمكانية تطبيقها. هذا هو المهم من هذا التدافع، بالطبع بالنسبة لإنسان مثلي يكره الإمارات خيرا فعلت أم شرّاً فهناك فائدة أنني أفرّغ شحناتي السلبية في مقال غاضب أو تغريدة مستفزة، ولكن هذا ليس بأمر جيد فعليا، الدور الآن على الضليعين في التاريخ للخروج من مخابئهم، يخرجون إلى الإعلام البديل أو الإعلام التقليدي ليقولوا قولَهم، ليضعوا الإجابة للسؤال الذي يقول: سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان الفلاحي ما موقعه من الإعراب؟ وتحت سلطة من كان؟ وما الذي تغيّر في عصر ولدِه؟
الوطن بلا شك أحد أهم الأسئلة الكبرى في الحياة، بل ربما هو أهم بكثير من سؤال العقيدة في بعض الأحيان. لا يُلام الإماراتيون أنهم يعيشون أسئلتهم الوطنية الكبرى فهم فعلا في كارثة، وإلى أين يحين ذلك الزمان الذي تعود فيه الإمارات إلى الدولة الأم فهم أمام أسئلة أكثر صعوبة وتعقيدا، ولا أستبعد أن يأتي اليوم الذي يتبنى فيه الإماراتيون التراث والتاريخ السعودي هرباً من التشابه الكبير بينهم وبين الدولة الأم، بل وربما غيظ وعناد من شيوخهم لكي لا يرجعوا إلى وطنهم الأم، عندما تكون لديك دولة بلا هوية تتجاوز الأربعين عاما تحاول صناعة هويّة حتى لو بالسرقة فهذه طريقة مؤكدة لتدمير القائم من الإمارات، ولعل قائلا يقول أن دمار الإمارات الحالية معناه عودة إلى الأم، ربما يكون هذا التحليل مصيبا في جانب ولكن هذا ستدفع ثمنه الأجيال القادمة، حتى أطفال الإمارات يحق لهم أن يعرفوا تاريخهم الحقيقي وليس التاريخ الذي يكتبه للنظام الإماراتي مرتزقو الصحافة وباحثو الشطنة، بل التاريخ الحقيقي لدولتهم التي هي حاليا فرع مستقل إداريا [سيعود ذات يوم] عن الدولة الأم، ولكنه غير مستقل لا تاريخيا ولا ثقافيا.
كشف لنا هذا التدافع الإعلامي الثقافي بين عُمان [الأم] والإمارات [الطفلة] حجم تقصيرنا في معرفة وفهم تاريخنا العُماني سواء القديم أم المعاصر. كشفَ لنا كم قصّرنا حتى في محاولة معرفة هذا التاريخ حتى صرنا ننتبه إليه بعد أن يقوم أحدهم بسرقته كما فعل الإماراتيون. نداء الواجب الوطني في هذه اللحظة يستدعي فعل شيء، وبالطبع لا أقصد فعل شيء من قبل الجانب الحكومي فتلك مؤسسات لديه القدرة على فعل ما تشاء، ولكن أقصد فعل شيء من الناحية الاجتماعية وأبسط شيء نفعله هو العودة إلى بعض الكتب ومعرفة الملامح الرئيسية للتاريخ العماني والدول التي حكمت عمان والأسر والعوائل ومعرفة حروب القبائل وتواريخ الشف بينها، هذا أقل ما نفعله قبل أن نعيد إرسال نكتة جديدة في الواتساب أو طرفة في الفيس بوك أو تغريد في تويتر. لعله ليس بكثير عليك أن تشارك معلومة تاريخية عبر كل هذه القنوات وعبر كل هذه الوسائط لكي تشيع نمطا جديدا باحثا عن الحقيقة لا مستهلكا لها.
ما حدث بسبب سرقات الإمارات جميل للغاية [غير الجانب الهجليّ فيه] لأنه يعيد طرح أسئلة كبرى علينا، وإن كانت هناك أسئلة كبرى أجاب عليها الإماراتيون [سؤال فقدان الأب المؤسس] فنحن ما زال أمامنا عدد كبير من الأسئلة لنجيب عليه، ولعل سؤال التاريخ العُماني هو أهمها في الفترة الحالية.
ودمتم بخير .. إلى اللقاء ..
- معاوية الرواحي